الأحد، يوليو 24، 2011

شهادتي لما حدث بالعباسية أمس

بداية المسيرة، عدسة حسام الحملاوي
لم يكن الحضور كبيرا داخل ميدان التحرير قبل الميعاد الذي تم الاتفاق عليه لخروج المسيرة وهو الرابعة عصرا، المنصات كلها فارغة على غير المتوقع في هذا التوقيت، بدأت الأعداد في التوافد على ميدان التحرير لكنها لم تكن كافية لخروج مسيرة يفترض بها التوجه لوزارة الدفاع، لذا قرر المتظاهرون البقاء في الميدان لحين تواجد العدد المناسب.

نظم المتظاهرون مسيرة تجوب ميدان التحرير بهتافات منددة بالمجلس العسكري، وتطالب بالقصاص من قتلة الشهداء، كان الجو حماسيا، وصعد ثلاثة شيوخ من الأزهر على أحد المنصات لإعلان تضامنهم مع مطالب الثوار ومع المسيرة، بدأت أحدى المجموعات بالتحرك بالفعل ثم توقفت تحت طلب القائمين على المنصة لانتظار باقي المتظاهرين الذين يصلون العصر في مسجد عمر مكرم.

إنطلقت المسيرة في حوالي الساعة الخامسة عصرا، بعدد لا يتعدى ال 2000 متظاهر، وبدأت في التحرك إلى وزارة الدفاع عبر شارع رمسيس، ازداد العدد بشكل ملحوظ وتضاعف عدد المتظاهرين من المتعاطفين في الشارع وباقي المتظاهرين الذين لحقوا بنا.

هتف الثوار: "احنا الشعب الخط الأحمر، يسقط يسقط حكم العسكر" و "المحاكمة المحاكمة، العصابة لسه حاكمة"، و "المطالب في التحرير، الشعب يريد إسقاط المشير" كان الحماس يزيد عندما نجد التعاطف الغير متوقع من الكثير من المارة في الشوارع، وإشارات التأييد من الأهالي من شرفات البيوت.

مررنا من أمام مقر جريدة الجمهورية، وتعالت الهتافات بحماس تجاه العاملين بالجريدة: "الكدابين أهم"، كانت الروح المعنوية للثوار في قمتها عند المرور بين المباني وأسفل الكباري، وكان صدى هتاف: "يانجيب حقهم، يانموت زيهم" يرج المكان.

وصلنا حي العباسية، وخاطب الثوار أهالي العباسية بهتاف: "يا أهالي العباسية، المسيرة دي سلمية" وعلى عكس المتوقع من أهالي العباسية الذين حرضهم ضدنا اللواء الرويني بشكل مباشر في الإعلام، تعاطف معنا البعض والقوا إلينا بزجاجات المياه لتساعدنا على مواصلة المسيرة.

وصلنا لمسجد النور، لنجد الشرطة العسكرية قد نصبت الأسلاك الشائكة، وسدت الطريق بحوالي ست مدرعات وجندي بسلاح آلي فوق كل مدرعة، بجوارهم جنود وضباط الأمن المركزي، وخلفهم مدنيين ظنناهم في البداية متفرجين.

تصاعدت الهتافات أمام الكردون تطالب بمحاكمة قتلة الشهداء وسقوط المشير، ولم تمض ساعة حتى بدأت بعض الاشتباكات الخفيفة بين المتظاهرين وشخصين رفعوا السلاح الأبيض علينا من المدنيين الذين كانوا خلف جنود الشرطة العسكرية ومروا من تحت السلك الشائك دون أي مقاومة تذكر من الجنود.

ثم فوجئنا بالطوب وزجاجات المياه الفارغة تُلقى من أعلى أحد العمارات التي كان يقف أسفلها جنود الشرطة العسكرية، بعدها أطل أحد المدنيين كان يرتدي فانلة داخلية بيضاء يطمئننا بأنهم معنا وأن الضرب توقف إلا أننا اكتشفنا بعدها أنه يخدعنا بعد استمرار قذف الطوب والزجاجات من أعلى نفس العمارة.

تتابع بعد ذلك الهجوم علينا بالطوب من أكثر من عمارة بالشارع وفوجئنا بمجموعة من البلطجية تهاجمنا من أحد الشوارع الجانبية، بدأ التراشق بالطوب بين البلطجية والمتظاهرين، وبعد حوالي نصف ساعة من التراشق كانت الغلبة لنا وتم إخراج البلطجية من الشارع تماما.

ظننا أننا انتصرنا وعاد بعضنا باتجاه شارع رمسيس لنفاجأ بهجوم بلطجية من شارع جانبي آخر ومن الشارع الرئيسي بأعداد أضعاف الذين هزمناهم منذ قليل.

إنهال علينا وابل من الطوب وقنابل المولوتوف، وبدأ الثوار في تنظيم أنفسهم، وقمنا بتكسير طوب الأرصفة للدفاع به عن أنفسنا، وانتظمت المجموعات، وتراوحت المعركة بين كر وفر بين المتظاهرين والبلطجية، واستمرت المعركة لما يقرب من الساعتين مرت علينا كالدهر.

ظهر جنود الأمن المركزي والشرطة العسكرية بين صفوف البلطجية، وأشاروا إلينا يطالبوننا بوقف القتال، كان بعضنا قد انهك تماما فتوقف عن القاء الطوب، والبعض الآخر فقد الثقة في الأمن تماما خاصة أن المعركة كانت مستمرة في الشوارع الجانبية.

وبالرغم من إشارات ضباط الأمن المركزي المطمئنة، إلا أننا فوجئنا باستمرار هجوم البلطجية علينا بالطوب وقنابل المولوتوف وإطارات السيارات المشتعلة دون أي ممانعة من الأمن.

واصلنا التراشق بالطوب، وعادت المعركة من جديد، وعاد الحماس للمتظاهرين، وأمطرناهم بوابل من الطوب ليعودوا للاحتماء بالأمن المركزي من جديد، وكما اعتدنا من تكتيكات الأمن في السابق، قذف الأمن قنبلتي غاز مسيلة للدموع واحدة في مقدمة المسيرة والأخرى في مؤخرتها، أعاد الثوار في المقدمة إلقاء القنبلة لتسقط بين صفوف الجنود، بينما تسببت القنبلة الثانية في تشتيت المتظاهرين وهرب المئات تجاه مسجد النور الذي أغلقه جنود الشرطة العسكرية في وجوهنا طوال فترة تواجدنا أمامه، وحاول بعض الجنود إغلاق الباب الحديدي الخارجي للمسجد لكن تدافع المتظاهرين حال دون ذلك.

بعد أن التقطنا أنفاسنا، وبدأنا في التعافي من آثار الغازعدنا إلى الشارع الرئيسي لنجد أن الأمن المركزي قد رحل، وشاهدنا بعض المدنيين الذين لم نكن نعرف بعد هل هم بلطجية أم أهالي المنطقة.

بدانا في الحوار عن كيفية الخروج من هذا الحصار والعودة إلى ميدان التحرير، ونزل بعض أهالي العباسية للحوار معنا، وتباينت وتيرة الحوارات بين الهدوء والحدة، لكن ما فهمناه من الحوار أن أهالي العباسية الذين هاجمونا لم يكونوا في صفنا ولا ضدنا، لكن بعد احتدام الاشتباك مع البلطجية هاجمونا للدفاع عن ممتلكاتهم ومحلاتهم من التخريب. حذرنا أحدهم بأن العباسية الآن محاصرة بالمترصدين من البلطجية والعرب من أهالي المنطقة من تجار المخدرات بالأساس، والذين أقسموا ألا نخرج من هنا سالمين.

تعاطف معنا إمام مسجد النور، وخاطب ضباط الجيش بتأمين خروج المتظاهرين من المكان، لكن لا حياة لمن تنادي، نظمنا أنفسنا في مسيرة للعودة للتحرير، وتعالت الهتافات من جديد في طريق العودة: "يا طنطاوي يا حبيب حسني، ابعت هات دبابة تدوسني"، "يالا يا مصري انزل من دارك، لسه فيه مليون مبارك"، "القضية القضية، المجلس من غير شرعية"، "عاوزين يسرقوا من ثورتنا، إلا الثورة على جثتنا"، "المطالب في التحرير، الشعب يريد إسقاط المشير".